أمجد شاب هو أخر من ولد بين أشقائه السبعة طفولة عادية قضاها ومراهقة أضنى بها والديه حتى مات والده وهو في السابعة عشر من عمره مكنه زواج أخوته من التحكم بالمنزل بعد وفاة والده مع أمه التي عملت المستحيل معه لرضائه دون جدوى فقد تعلم السهر لأخر الليل مع رفاق عاقروا الخمر والسهر والمجون وكانت والدته تترقب عودته عند كل صباح وهي الطاعنة في السن وعندما يدخل تحمد الله كثيرا لرؤيته قد عاد وبشيء من العتاب الخجول والمحبب تسأله أين كنت يا ولدي لقد تأخر الوقت وأنا بانتظارك
فيرد عليها متأففاً وما دخلك أنت أنا أسهر وأسهر ولا دخل لك بي وبسهري انقبري ونامي يلعن الساعة اللي شفت وجهك فيها وكان يرد عليها حسب مزاجه التعس عندما يعود فقد امتهن القمار مع مجموعة من الشباب التافهة .
فتعود والدته منكسرة إلى فراشها وأنين خافت من البكاء يسبقها تتغلب على ما أصابها من الزمن الذي جعلها عرضة للأمراض وعرضة لهذا الولد العاق الذي لا يحترم كبر سنها مستغربة ما آل إليه ولدها الحبيب من الضياع والتشتت الذي هو به ....
وفي ليل أحد الأيام رجع أمجد وعيونه تقدح شرراً فقد خسر كل ما يملك من ثمن الأرض التي ورثها عن والده في لعبة قمار مع رفاقه جاء إلى أمه وقال لها هيا أعطني هذه الأساور التي بيديك لأبيعها
فقالت له أعطيك عيوني يا بني ولكن لماذا تريدها بهذه الساعة ألا يكفي ما خسرته اليوم أرجوك أن تعي لما تفعله فأنت تضيع مني كل يوم أرجوك يا بني
فما كان منه إلا أن شتمها وقال لها أيتها العاهرة أريد المال الآن لأعوض ما خسرته ومد يده عنوة إلى يدها فلفت نظره كم يداها مجعدتان فأخذه نوع من الحنين إلى أن يضمها ولكنه بدل ذلك ضربها ورماها على الأرض وقالت له بشيء من الخوف والترجي خذ يا بني ولكن لا تضربني فهذا آخر ما أتمنى أن أخاف من ولدي هذا الخوف خذ ما تريد وانصرف ولن أشكي إلى الله ما آلت إليه حالتي فهذا عيب أن أجعلك بمقام اللصوص وأنت ولدي ولن أخاف منك مهما فعلت لأنك ولدي خذ ...
أخذ ما تبقى من مصاغ والدته وذهب إلى رفاقه وبدأ اللعب وخسر ما خسر وندم عندما تذكر كلمات والدته وبدأ يلاحقه طيف يداها وهو يخلع منه المصاغ وقال في نفسه نعم سوف أكون انسان آخر وأعتذر من العجوز ولن ألعب أو أشرب مرة أخرى و ... و..
عاد إلى المنزل عند الظهر ....وتفاجأ بجمع غفير من أهالي الحي مجتمعين أمام بيته فدق قلبه بشده وبدأ يسرع ويقول في سره اللهم اجعله خيراً
استوقفه أحدهم وقال له البقية بحياتك لقد ماتت والدتك ووجدوها في فراشها تحضن صورتك وقد فارقت الحياة جمد أمجد وبدأ يصرخ كالمجنون لماذا أبعد ما صحوت من عذابي أبعد ما رجعت لأضع رأسي في أحضانك
دخل المنزل فوجد جثة والدته ضم وجهها الذي رآه أكثر إشراقه مما مضى وجاهد كثيرون أن يجعلوه يخرج من الغرفة وهو غارق بدمعه ولكن هيهات ماذا ينفع الندم ....
\\
وبعد يومين من الحادثة وجد أحدهم جثة شاب وبيده مسدس وبجانبه ورقه كان مكتوب عليها ..
الى وجهها الحنون الذي رسم عليه الدهر شقائه وتركها وحيدة
إلى وقاحتي في مبادلتي حبها وحنانها بجحودي وغروري وقوتي وقسوتي على أيامها التي أضناها العمر في تربيتي
إلى قبرها الجامد الذي مهما صرخت وبكيت بقربه لن يسامحني ولن تسامحني دموع اتت في غير زمانها
إلى أمي التي لم تعرف معنى الأخذ بل معنى العطاء
وداعاً
هذا ما وجد من بقايا إنسان انتحر قبل أن يكتب هذه العبارات